اصدارات

شخصية العدد.. يحيى حسين عبدالهادي الذي لم يضل طريق الحق رغم قلة سالكيه

ما الوطن؟

“هناك خَلْطٌ واضحٌ لدى البعض بين السُلْطةِ والوطن. سترحلُ هذه السُلْطةُ كما رَحَلَتْ سابقاتها وكما سترحلُ لاحقتها.. أمَّا الوطن فَبَاقٍ إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو الذي يَحزنُ لحاله ويُضَّحِي من أجله المخلصون من أبنائه.”

هذه الكلمات التي كتبها المهندس يحيى حسين عبد الهادي تلخص بشكل عميق مفهوم الوطن في نظره. والفرق الجوهري بين السلطة والوطن، هذا التفريق جعله واحدًا من أبرز كوادر المجتمع المدني والمدافعين عن الحرية والديمقراطية في مصر.

 منذ عهد الرئيس مبارك وحتى الآن، كان ليحيى حسين عبد الهادي دور محوري في الدفاع عن الممتلكات العامة، ورفضه للفساد، إذ تميز بمواقفه الثابتة والمبدئية في دعم الإصلاحات السياسية والاجتماعية، وكان من أوائل المدافعين عن الديمقراطية والعدالة. تعرض للاعتقال مرتين منذ مجيء السلطة الحالية إلى سدة الحكم، بسبب مواقفه المعارضة لها، إلا أنه ظل ثابتًا في رؤيته لمستقبل الوطن.

عمر أفندي.. مفترق الطرق

ولد المهندس يحيى حسين عبد الهادي في القاهرة عام 1954، حيث تخرج من الكلية الفنية العسكرية عام 1977، ثم عمل كضابط مهندس في القوات المسلحة حتى عام 1992، ثم شارك في تأسيس مركز إعداد القادة (يقدِّم الاستشارات لمؤسسات الأعمال المصرية والعربية، ويدرّب رجال الأعمال) الذي كان في البداية تابعاً لرئاسة الوزراء، ثم انتقلت تبعيّته لوزارة الاستثمار، وأصبح مديراً للمركز ووكيلاً لوزارة الاستثمار عام 2004.

تأهل لاحقا وعبر مناصبه المتعددة لعضوية اللجنة الرئيسية لتقييم «شركة عمر أفندي» التي ضمَّت 15 عضواً من قيادات قطاع الأعمال والخبراء. وهي اللجنة التي خرج منها معارضا للسلطة، مطالبا بالإصلاح الاجتماعي، والسياسي، حيث مثلت نموذجا فجا على الفساد في عمليات الخصخصة من قبل السلطة.

يحيى حسين عبدالهادي – المصدر “أرشيف صحفي”

آنذاك تم بيع “عمر أفندي” بمبلغ 580 مليون جنيه مصري (حوالي 100 مليون دولار أمريكي حينها)، وهو مبلغ يُعتبر أقل بكثير من القيمة الفعلية للشركة، حيث قدرت القيمة الفعلية للصفقة وقت البيع بما يزيد عن 2 مليار جنيه مصري (حوالي 350 مليون دولار)، وذلك بناءً على قيمتها السوقية والمباني التي تملكها والمتاجر المنتشرة في مختلف أنحاء مصر.

كان المهندس يحيى حسين عبد الهادي من أبرز الشخصيات التي تصدت لهذه الصفقة من البداية. حيث عمل على تسليط الضوء على الفساد المرتبط ببيع الشركات العامة، بما في ذلك “عمر أفندي”. وقد قام برفع قضايا قانونية ضد هذه الصفقة بسبب الفساد والتجاوزات القانونية.

حينها طالب يحيى حسين عبد الهادي بمراجعة الصفقة والتحقيق في التقديرات المالية والتجاوزات التي حدثت في عملية البيع إذ كان على علم من خلال عمله بأن الصفقة تمت دون رقابة كافية أو مراعاة للمصلحة للعامة، لتصب في صالح فئة معينة من رجال الأعمال، بيعت الشركة لاحقاً إلى شركة «أنوال» السعوديّة.

الانضمام للحراك المدني 

“أَمَا وقد خَلَعَت السُلْطةُ وريقةَ التوت التي كانت تُداري بها تَفريطَها في أصول الدولة تحت مُسَّمَياتٍ كاذبةٍ مخادعةٍ، وأعلنَتْها صريحةً أخيراً أنها بصدد تصفية الأصول.. يُصبح من العَبَثِ مخاطبة البائع الفاقد للأهلية والمصداقية.. ولكن يجبُ إعلامُ وإعلانُ كل من اشترى أو يفكر في أن يشترى أَيَّاً من هذه الأصول أننا بُرَآءُ من هذه السُلطةِ وكُلِّ بيوعاتها”.

من كلمات يحيى حسين عبد الهادي

ميزت صفقة عمر أفندي انحيازات يحيى حسين عبدالهادي اللاحقة، فرحل عن الركب الحكومي، منضما إلى الحركة المدنية المعارضة، حتى اختاره المفكر الراحل عبد الوهاب المسيري ليكون ضمن اللجنة التنسيقية لحركة “كفاية” باعتباره شخصا مناهضا للخصخصة التي تعتمد على البيع لممتلكات حكومية بعضها مربح او تزيد قيمتها الحقيقية عن سعر البيع، ليقود الحركة الشعبية تحت شعار «لا لبيع مصر» حيث تعتبر أن كل البيوعات التي تمت غير مشروعة لأنه لم يؤخذ رأى الشعب فيها وهو المالك الحقيقي لكل أصول الشركات حيث يصعب أن يتدارك هذا الخطر حتى بعد زوال النظام الحالي .

اعتبر عبد الهادي في بيان ألقاه بهذه المناسبة أن ما يحدث هو تنفيذ لأجندة خارجية لتدمير مصر وتخريب أصولها فثقافة البيع هي عنوان هذه المرحلة لمصر وأن الحل للخروج من هذه التجاوزات هو تغيير النظام بسياساته.

وقد تصدى من خلال هذه الحركة لبيع بنك القاهر ة، كما تصدى لبيع أراضي مميزة بالساحل الشمالي- سيدى عبد الرحمن – لهشام طلعت مصطفى وسميح ساويرس وجمعية جيل المستقبل بلجنة السياسات بسعر 160 جنيه للمتر المربع، وتم رفع دعوى لأبطال البيع إلا أنه خسرها -بطبيعة الحال- بل تم رفع دعوى سب علني ضده من رئيس الشركة القابضة لتحكم المحكمة في 5 مايو 2009 بتغريمه 40 ألف جنيه كتعويض  لرئيس الشركة القابضة، وهو المبلغ الذي تم تخفيضه في الاستئناف في يونيو 2009 إلى عشرة آلاف جنيه، وفي 10 يونيو 2009 أصدرت الحركة بيانها التالي تضامنا مع أحد شرفاء مصر (اكتتبوا لدفع غرامة مصر تضامنا مع المهندس يحيى حسين عبد الهادي).

يحيى حسين عبدالهادي أثناء محاكمته – المصدر “أرشيف صحفي”

“اللهم ثورة”.. يحيى حسين

استمر يحيى حسين عبدالهادي على طريق الحق، والمطالبة بدرء الفساد، وحماية المال العام حتى بعد ثورة يناير 2011، والذي يعتبر أحد أهم وجوه المجتمع المدني التي نادت بالتغيير، وتمسك بموقفه حتى مجيء النظام السياسي الحالي، واستمر في كتابة مقالاته الناقدة للوضع، والمطالبة بالتغيير، حتى ألقي القبض عليه عام 2019، اتهم عبدالهادي في القضية رقم 277 لسنة 2019، والمعروفة إعلاميًا بتنظيم “اللهم ثورة” بمشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أغراضها والدعوة إلى تعطيل أحكام القانون الدستور المصري ومنع مؤسسات الدولة والسلطات العامة من ممارسة أعمالها.

وأسندت له اتهامات بالإعداد والتخطيط لارتكاب أعمال عنف خلال شهري يناير وفبراير 2019، واستغلال ذكرى ثورة 25 يناير للقيام بأعمال تخريبية ونشر الفوضى في البلاد ونشر أخبار كاذبة عن الأوضاع السياسية والاقتصادية بالبلاد بقصد تكدير السلم العام.

فيما بعد حصل عبدالهادي على عفو رئاسي نشر في الجريدة الرسمية، وتم الإفراج عن المنسق العام للحركة المدنية تنفيذًا للقرار بالعفو عنه، بعد صدور حكم من محكمة جنح مدينة نصر بحبسه 4 سنوات؛ لاتهامه بنشر أخبار كاذبة عمدًا.

بعد خروجه من السجن لم يحاول عبدالهادي أن يهادن السلطة، أو يحيد عن طريقه رغم ما لقاه، لتضيق به السلطات وتعود لاتهامه بنشر أخبار كاذبة في 3 مقالات كتبها عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك في الفترة بين أغسطس 2022 ومارس 2023. قبل أن يتم الحكم عليه بسنة مع إيقاف التنفيذ.

حينها قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف الذي كان قد قضى بحبس المهندس يحيى حسين عبدالهادي المتحدث السابق باسم الحركة المدنية الديمقراطية، سنة مع إيقاف تنفيذ الحكم لمدة 3 سنوات، في القضية رقم 1206 لسنة 2023، على خلفية اتهامه بإذاعة أخبار كاذبة خارج البلاد وداخلها وبث الرعب بين المواطنين، بسبب نشره مقالات رأي، والمعروفة باسم “قضية المهندس يحيى حسين عبدالهادي الثانية”.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ عادت السلطات لتتهمه بإساءة استخدام وسائل التواصل والانضمام لجماعة إرهابية، ثم معاودة إلقاء القبض عليه في تحقيقات القضية رقم ٣٩١٦ لسنة ٢٠٢٤ حصر أمن دولة، وتكرار التهم ذاتها من انضمام إلى جماعة إرهابية، إساءة وسائل التواصل، بث ونشر إشاعات وأخبار كاذبة، ارتكاب جريمة من جرائم تمويل الإرهاب، وكذلك التحريض على ارتكاب جريمة إرهابية.

وبحسب هيئة الدفاع فقد تعرض عبدالهادي أثناء القبض عليه لأعراض ذبحة صدرية، وتم مواجهته بمقال (إلى متى يصمت الجيش)، وتم نقله إلى سجن العاشر ٤، حيث سمحت النيابة بتسليمه الأدوية الخاصة به.

“كان المهندس يحيى حسين عبد الهادي يدرك جيدًا أنه مهدد بالاعتقال حتى قبل خروجه من السجن”، هكذا يشرح عضو حزب الأمل وحملة المرشح السابق للانتخابات الرئاسية المحامي علاء الخيام تقديس عبدالهادي لكلمة الحق، وعدم اكتراثه بأمانه الشخصي، مضيفا “كان واضحًا في موقفه، مصممًا على الاستمرار في نهجه القائم على نقد الفساد بكل أشكاله والدفاع عن مصالح الوطن، دون أن يتراجع عن قول الحق، حتى لو كان الثمن حريته”.

حول ظروف اعتقاله الأخيرة يروي الخيام “في يوم اعتقاله، كان عبدالهادي مدعوًا لحضور ندوة حول مكافحة الفساد بدعوة من حزب تيار الأمل. كان في طريقه إلى الفاعلية برفقة الدكتور عبد الجليل مصطفى، قبل أن تعترضهما سيارة “ميكروباص” يستقلها أشخاص بزي مدني، قاموا باختطافه إلى جهة غير معلومة، ليظهر لاحقًا في النيابة قيد التحقيق في قضية ملفقة. المفارقة المؤلمة أن هذا اليوم كان من المفترض أن يشهد تكريمه وتسليمه درع تقدير لدوره الوطني النبيل”.  

على مدار سنوات، كانت كتابات المهندس يحيى حسين قوية وواضحة، تكشف الفساد وتنتقد أداء الحكومة، وتقدم نصائح للنظام، مؤكدًا في أكثر من مناسبة أنه لن يتراجع عن مواقفه. وبحسب الخيام ربما كانت الندوة التي كان سيشارك فيها رسالة واضحة حول تمسكه بموقفه، مما عجّل باعتقاله، في محاولة لإسكاته ومنعه من كشف الحقائق.  

يعدد لنا الخيام مشاهداته حول المهندس يحيى، وخصوصا يوم اعتقاله، حيث يصفه بالشديد الانضباط في مواعيده، لذلك عندما تأخر عن الحضور، حاول الاتصال به لكنه لم يستجيب، وهو أمر غير معتاد. فيما بعد تواصل الخيام مع الدكتور عبد الجليل مصطفى، الذي فاجأه بالخبر الصادم.  

وذلك بينما تم إبلاغ الحضور بالنبأ الحزين، وتحولت الندوة إلى فعالية للحديث عن دور يحيى حسين، حيث تم تكريمه رغم غيابه، وتسليم الدرع مؤقتًا لأحد الزملاء. الحضور جميعهم أصيبوا بصدمة من هذا التطور الخطير، في حين رُصدت تحركات أمنية أمام مقر الفعالية، مما دفع المنظمين إلى إنهاء اللقاء مبكرًا حرصًا على سلامة الجميع.  

يضيف الخيام “يحيى حسين عبد الهادي أحد الرموز الوطنية التي نعتز بها، وكان عضوًا بارزًا في اللجنة الاستشارية لحملة المرشح الرئاسي أحمد الطنطاوي، وكذلك أحد أبرز قيادات  تيار الأمل. كان اعتقاله رسالة محبطة للبعض، لكنه في الوقت ذاته دليل على مدى تأثيره وقوة مواقفه”.  

وفقا للخيام تتابع اللجنة القانونية جلسات التحقيق عن كثب، وتحاول تقديم كل أشكال الدعم، فيما يُبدي الأستاذ خالد علي وفريقه القانوني اهتمامًا كبيرًا بالقضية. وقد صدرت بيانات عديدة تطالب بالإفراج عنه، خاصة في ظل تدهور حالته الصحية، حيث إنه أجرى عملية قلب مفتوح سابقًا، وتعرض لأزمات قلبية متكررة، ما يثير القلق الشديد على حياته داخل السجن.  

يرى الخيام أن رغم خطورة الموقف، لم تحظَ قضيته حتى الآن بالدعم الكافي من الأحزاب والقوى السياسية والمنظمات الحقوقية، وهو ما يعكس الحالة السيئة التي تعاني منها مصر سياسيًا.  

ومع ذلك فإن المعلومات الواردة من محبسه تؤكد أنه كما كان دائمًا: ثابت على مبادئه، متمسك بقيمه، صلب في موقفه، معتز بتاريخه، ولم يُفاجَأ باعتقاله، لكنه يواجه خطرًا حقيقيًا على صحته، بحسب كلمات الخيام. 

أما لجنة العفو، فيشير الخيام إلى توقفها تمامًا عن أداء دورها، في ظل تجاهل السلطة لكل المناشدات والمطالبات بالإفراج عن المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي. مضيفا “كنت أتمنى أن يتحرك النائب العام بصفته محامي الشعب، لإعادة النظر في أوضاع آلاف المعتقلين وإنهاء مأساة الحبس الاحتياطي، تطبيقًا للقانون والدستور، لكن المعطيات تؤكد أن الأمور ستظل على حالها لفترة طويلة”.

يختم الخيام بالقول” للأسف، لا يوجد أي حراك سياسي حقيقي؛ فالحياة السياسية تعيش حالة موت إكلينيكي، في ظل غياب أحزاب معارضة قوية، وافتقاد النخب السياسية للإجماع الشعبي، بينما أصبح مصير كل من يعارض النظام هو السجن. امتلأت المعتقلات بأصحاب الرأي، وسط غياب أي حلول واضحة للإفراج عنهم، رغم الوعود المتكررة التي لم تُنفذ”.  

 

المحامي علاء الخيام – المصدر “أرشيف صحفي”

يحيى حسين.. لا يعرف الحق بالرجال

“ذات يومٍ قريبٍ بإذن الله سيزورني الأخ الصديق الدكتور محمد البلتاجي أو أزوره.. أستطيع أن أتوقع ردَّ فعلٍ مساوٍ لما حدث بالنسبة للقائي بدومة ومضاداً له في الاتجاه.. فالمرض واحدٌ”

من كلمات يحيى حسين عبد الهادي

لم نكن أنا وحسين عبدالهادي أصدقاء مقربين، بل كنا نختلف تمامًا في الأيديولوجيا السياسية. ومع ذلك، لم يمنعه ذلك أبدًا من مناصرتي والوقوف إلى جانبي عندما تعرضت للاعتقال، فبالنسبة له، الحق لا يُعرف بالأشخاص كما يقولون. هذه الكلمات لخصها الكاتب والناشر هشام قاسم في وصفه لشخصية يحيى حسين.

كان قاسم قد مر بتجربة السجن بعد بلاغ من كمال أبوعيطة، المنتمي لحزب الكرامة، وهي حادثة شابتها العديد من الانتهاكات والممارسات التي استهدفت شخصه، لاسيما بسبب انتقاداته المتواصلة للسلطة. وفي ظل هذا الواقع القاسي، يعتبر قاسم أن يحيى حسين يعد من أخلص الشخصيات العامة التي عرفتها مصر، وأكثرهم حرصًا على الحفاظ على المال العام، قبل وبعد ثورة 2011. فقد ضحى بوظيفته العامة وكل ما يملك من أجل هذا الهدف النبيل.

وعلى الرغم من التحديات والمصاعب التي مر بها، يرى قاسم أن عبدالهادي هو من أولئك الذين لا يتراجعون عن قول الحق مهما كانت العواقب. “هناك نوعية من الناس لا تستطيع إلا أن تنطق بكلمة الحق، مهما كانت النتائج الوخيمة لهذا الفعل، وعبدالهادي واحد من هؤلاء القلائل”. كما يضيف قاسم بثقة: “أنا متأكد أنه إذا خرج يحيى حسين من السجن غدًا، فسوف يستمر في تمسكه برؤيته، ولن يتوقف عن الدفاع عما يراه حقًا”.

ويستشهد قاسم بأزمته الشهيرة التي قسمت التيار المدني إلى قسمين، حيث ينتمي هو إلى الشق الليبرالي، بينما عبدالهادي ينتمي إلى اليسار. ومع ذلك، منذ اللحظة الأولى من الأزمة، أعلن عبدالهادي دعمه غير المشروط له، معارضًا بشدة القبض عليه وانتهاك حقوقه القانونية والإنسانية. تضامنه كان بعيدًا عن أي انتماء سياسي أو أيديولوجي، بل كان موجهًا فقط نحو الضمير الإنساني، وهو أمر ليس غريبًا عن عبدالهادي طوال مسيرته السياسية.

أما النهاية المتوقعة للمشهد السياسي بشكله الحالي، فيعتقد قاسم أن الحل الوحيد للخروج من هذا المأزق يكمن في وصول حكم سلطة مدنية حقيقية، إلى سدة الحكم، على أن تنبع من إرادة شعبية ديمقراطية. وإلا سيستمر التدهور الاقتصادي المدمر، المرادف لانتهاكات الحريات وقمع الحقوق، مما يفاقم الأزمة ويعمق أبعادها.

الناشر هشام قاسم – المصدر “أرشيف صحفي”

وأخيرا..

نختم بجزء مقال عبدالهادي الذي عنونه بمَصرَفُ زكاةٍ.. أَمْ قضيةُ تمويل؟

في بلدٍ تَعُّجُ سجونه بالأَسْرَى والرهائن الذين انقطعت عنهم وعن ذويهم أسباب الرزق.. وحتى من يخرج من السجن الصغير إلى السجن الكبير يواجه حصاراً وقَتْلاً مدنياً كاملاً (مصادرةً، تحفظاً، فصلاً وظيفياً، مطاردةً لكل فرصة عمل جديدة، منعاً من السفر، …).. ومن يجأر بالشكوى يُعادُ اعتقاله مرةً أخرى.. وكأنما المطلوب هو الموت جوعاً أو انحراف الأُسَرِ الكريمة.. إجرامٌ غَيْرُ مسبوقٍ وانحطاطٌ يَفوقُ حتى ما حدث للعرابيين وأُسَرِهم في عهد الاحتلال والخديوي الخائن.

أتحدث عن شريحةٍ كبيرةٍ لا تضم باعةً جائلين وفواعلية وأرزقيةً باليومية فقط، وإنما تضم أيضاً قضاةً وأطباء ومهندسين وأساتذة جامعة ومحاسبين ومحامين وصحفيين وضباطاً ورجال أعمال.. رجالاً ونساءً.. شباباً وكهولاً.. مسيحيين ومسلمين.

لَدَّيَّ ثلاثة أسئلة:

سؤالٌ إلى أهل الفتوى: هل يُعَّدُ الإنفاق على هؤلاء أحدَ مصارف الزكاة؟

وسؤالٌ إلى أهل القانون: وما السبيل لهذا المصرف في ظل تأميم وعسكرة النشاط الخيري، وتلفيق قضية تمويل جماعة إرهابية لكل من يطرقُ هذا الباب؟

وسؤالٌ إلي الله عَزَّ في عُلاه: إلى مَتَى حِلمُك؟ إلى مَتَى حِلمُك؟ إلى مَتَى حِلمُك؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى