اصدارات

نحن نستطيع.. بفضل جهود المفوضية المصرية.. اللاجئ اليمني عبد الباقي سعيد يحصل على حريته ويلحق بعائلته في كندا

في إطار سعيها المستمر لرفع المظالم عن الناس من أجل وطن يحمي إنسانيتنا، تصدت “المفوضية المصرية للحقوق والحريات” خلال السنوات الماضية للدفاع عن اللاجئ اليمني عبدالباقى سعيد عبده، وقد تكلل نضالها – مع شركائها من منظمات المجتمع المدني – في يناير 2025 بحصول عبدالباقي على حريته وتمكينه من إعادة التوطين في كندا مع أسرته. لتؤكد “المفوضية المصرية” مجددا بذلك الإنجاز أنه بالنضال القانوني والسلمي المشروع نستطيع الحصول على حقوقنا المهدورة وحماية وتعزيز حقوق الإنسان ودعم المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء ودفع الحكومة للالتزام بالمواثيق والمعاهدات الدولية الموقعة عليها الدولة.

ويشار إلى أنه فى عام 2008 قرر عبدالباقي تغيير ديانته من الإسلام للمسيحية فى اليمن، وهو الأمر الذي تطلب معه ممارسة شعائر ديانته سرا في منزله، حيث أن المجتمع اليمني لا يوجد به مسيحيون وإنما مسلمون ويهود فقط. لكن البعض رصد أنشطته الدينية حيث كان يجتمع للصلاة هو وآخرون، ثم استطاع أحدهم تصويرهم ووضع الصور على الانترنت وبدأ المحيطون يعرفون، وعقب إعلانه عن تحوله للمسيحية على وسائل التواصل الاجتماعي في 2013، تم فصله من عمله، وأُلحقت أضرارا بسيارته، وفي يوليو 2013 تم إضرام النار في منزله مما تسبب فى وفاة زوجته الأولى فى الحريق بعد صراع 3 أيام وإصابة أحد أبنائه.

ووصل عبدالباقى وأولاده إلى مصر فى أغسطس 2014 عن طريق فيزا سياحية ثم تقدم بطلب لجوء وسجل بمفوضية الأمم المتحدة، وبالفعل تم تسجيله في مكتب مفوضية شؤون اللاجئين في 29 يونيو 2015.  لكن عبدالباقي كان يواجه صعوبات فى مصر متعلقة بممارسة الشعائر الدينية المسيحية حيث رفضت الكنيسة مساعدته طالما لم يتغير دينة فى الأوراق الرسمية والهوية الشخصية إلى المسيحية، الأمر الذي اضطره إلى ممارسة شعائر دينه في المنزل.

وفي الثانية من صباح يوم 15 ديسمبر 2021 بدأت معاناة عبدالباقي مع الحبس الاحتياطي في مصر، حيث ألقت قوات الأمن القبض عليه بعد تدوينة له عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” تحدث فيها عن إيمانه وعقيدته التي يعتنقها منذ 2013، أي قبل القدوم واللجوء إلى مصر. وقد تم إخفاءه قسريا لعدة أيام إلى أن ظهر أمام نيابة أمن الدولة العليا في 23 ديسمبر من العام ذاته، متهما على ذمة القضية ة رقم 2993 لسنة 2021 حصر تحقيق أمن دولة عليا، حيث وجهت له اتهامات بالانضمام لجماعة إرهابية مع العلم بأغراضها، وازدراء الدين الإسلامي على إثر تحوله من الديانة الإسلامية واعتناقه الديانة المسيحية. 

ومنذ إلقاء القبض عليه، تعرض عبدالباقي للعديد من الانتهاكات إلى جانب تعرضه للاختفاء والعرض على النيابة بدون محامي اشتكي عبد الباقي من سوء حالته النفسية والجسدية، خاصة أنه لم يتمكن من تعاطى أدويته حيث يعانى من أمراض مزمنة ولديه دعامات بالقلب.

محاولة الترحيل إلى اليمن وتدخل المؤسسات الحقوقية

في يونيو 2022 جرى اصطحاب عبد الباقي من سجن القناطر إلى السفارة اليمنية بالقاهرة ليتسلم جواز سفره اليمني تمهيدا لترحيله إلى اليمن، وبعد رفضه تم استصدار وثيقة سفر لمدة شهر ليستكمل إجراءات ترحيله. 

وحينما علمت عدد من المؤسسات الحقوقية بينها المفوضية المصرية للحقوق والحريات بهذه الإجراءات أصدرت مطالبات لوزير الداخلية لرفض محاولة ترحيله، حيث يعني ترحيله أنه سيواجه عقوبة الإعدام فى اليمن بسبب تغيير ديانته بالإضافة لاستمرار التهديدات في اليمن من الجماعات المتطرفة، وحيث أن عملية الترحيل ستكون مخالفة للقانون الذي يجرم عملية طرد واستبعاد مقدمي طلبات اللجوء إلى أي بلدان وجودهم فيها قد يشكل خطرا على حياتهم.

وأصدرت مجموعة من الخبراء الأمميين مذكرة أممية أرسلت للسلطات المصرية للتعبير عن مخاوفهم إزاء ترحيل اللاجئ اليمني عبد الباقي سعيد وهم الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي؛ الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي؛ المقرر الخاص المعني بحالات الإعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسفاً؛ المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير؛ المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان للمهاجرين؛ والمقرر الخاص المعني بقضايا الأقليات والمقرر الخاص المعني بحرية الدين أو المعتقد.

مهمة الدفاع عن عبدالباقي

وخلال السنوات الماضية أخذت المفوضية المصرية للحقوق والحريات على عاتقها مهمة الدفاع عن اللاجئ اليمني عبدالباقي سعيد، وطالبت السلطات المصرية عدة مرات بالإفراج الفورى عنه، كما حملت السلطات المسئولية عن حالته الصحية، وطالبت السلطات تقديم دليل على صدق نواياها فى تحديد ضوابط للحد من الحبس الإحتياطى. كما طالبت بتمكين عبدالباقي من تلقى مساعدة مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين فى الانتقال إلى كندا والالتحاق بأسرته.

وأكدت “المفوضية المصرية” أنه بالإضافة إلى الاحتجاز التعسفى، فإن حتى التهم الموجهة إلى عبدالباقي غير ثابتة وما ينسب إليه يدخل فى إطار الحق فى حرية الرأى والتعبير، وحرية الدين والمعتقد، وأن الحق في حرية الدين أو المعتقد والتعبير السلمي عنهما محمي بموجب القانون الدولي في المادتين 18 و19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، كما ينص إعلان الأمم المتحدة بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد لعام 1981 (في المادة 2): “لا يجوز أن يتعرض أحد للتمييز من قبل أي دولة أو مؤسسة أو مجموعة من الأشخاص أو شخص على أساس الدين أو المعتقد الآخر”

وذكّرت المفوضية المصرية للحقوق والحريات، السلطات المصرية بما تنص عليه المادة 33 من اتفاقية اللاجئين لعام 1951 والموقعة عليها مصر، بأنه “لا يجوز لأي دولة طرف أن تطرد لاجئًا أو ترده بأية صورة من الصور إلى حدود الأقاليم التي تكون حياته أو حريته مهددين فيها بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو بسبب آرائه السياسية”

أعضاء برنامج تعزيز ثقافة حقوق الإنسان يشاركون فى حملة للمطالبة باطلاق سراح عبد الباقي

وفي إطار الدور الذي لعبته المفوضية المصرية المصرية للحقوق والحريات، لدعم اللاجئ اليمني عبد الباقي سعيد وحث السلطات على إطلاق سراحه أطلقت حملة للكتابة والتدوين عنه للمطالبة بالحرية له. وشارك أعضاء برنامج تعزيز ثقافة حقوق الإنسان، بـ”المفوضية المصرية” في الحملة الموسعة التى جرى إطلاقها للتعريف بقضية عبد الباقي ولمشاركة أسرته بالمطالبة للإفراج عنه وعودته إليهم مرة أخرى بعد سنتين من الحبس الاحتياطي. 

أيضا، شارك المئات من أعضاء برنامج تعزيز ثقافة حقوق الإنسان في التوقيع على عريضة تطالب السلطات المصرية بالإفراج الفوري عنه وتحديد موعد لمحاكمته إن كانت هناك جدية في الاتهام وتمكينه ومحاموه من الحق في الدفاع، وعدم التعرض له أو تهديده بالترحيل كونه يحظى بالحماية الدولية والقانونية وفق اتفاقية جنيف الرابعة واتفاقية 1951 ووفق الدستور والقانون المصري، كما أكد الموقعون وفق معلومات، أن حالة عبد الباقي الصحية الحالية بعد مرور سنتين في الحبس تثير الكثير من المخاوف خاصة مع تفاقم المرض وامتناع السلطات عن تقديم الرعاية الصحية اللازمة له في محبسه بشكل قد يهدد حياته، وكذلك حالة أسرته وأبناؤه والوضع الاقتصادي السيء لهم حيث كان هو المعيل الوحيد لأسرته.

برنامج تعزيز ثقافة حقوق الإنسان يشارك في حملة المطالبة بإطلاق سراح عبدالباقي

كما كانت المفوضية المصرية للحقوق والحريات، تستغل كل مناسبة لتسليط الضوء على قضية عبدالباقي مثل اليوم العالمي للمهاجرين، ونشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي فيديو تشرح فيه معاناته. وحينما أكمل عامين في الحبس الاحتياطي في ديسمبر من العام 2023، أطلقت حملة للمطالبة بالإفراج عنه.

وكانت المفوضية المصرية تؤكد في بياناتها بأن السلطات المصرية تخالف باحتجاز عبدالباقي التعسفى لأكثر من عامين الدستور المصري والإتفاقيات الدولية الملزمة، حيث حظيت الحرية الشخصية بالحماية الدستورية في المادة (54) من الدستور المصري، كما تضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذا العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، لذلك لا يجوز المساس بحرية التنقل إلا بإجراء القبض أو الحبس الاحتياطي، على أن يتم أيٌّ من الإجراءين في إطار ضمانات يرسمها الدستور والقانون، في ظل الحماية الدستورية لجوهر الحرية الشخصية، وأن الأصل في المتهم البراءة، أيضا المواد 6،7،9،14، و18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صدقت عليه مصر في 14 يناير 1982، تقرر حق الفرد في الحرية والأمان على شخصه، حيث تنص المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن: “لكل شخص حرم من حريته بالاعتقال أو الاحتجاز الحق في رفع دعوى أمام محكمة لكي تفصل تلك المحكمة دون إبطاء في مشروعية اعتقاله وأن تأمر بإطلاق سراحه إذا كان الاعتقال غير قانوني”.

حرية عبدالباقي

وبعد أكثر من ثلاث سنوات رهن الاحتجاز التعسفي، قررت نيابة أمن الدولة العليا في 19 يناير 2025 إخلاء سبيل اللاجئ اليمني عبد الباقي سعيد في القضية رقم 2993 لسنة 2021 حصر تحقيق أمن دولة عليا. وفي 24 يناير وصل اللاجئ اليمني عبد الباقي سعيد إلى كندا، ضمن إجراءات إعادة التوطين، بعد قرار إخلاء سبيله بعد أكثر من 3 سنين حبس احتياطى، وذلك بفضل جهود عديدة بذلتها المفوضية المصرية للحقوق والحريات لإنهاء معاناة عبدالباقي.

 

ويُعد هذا الإنجاز تتويجًا لجهود “المفوضية المصرية” في الدفاع عن حقوق الإنسان، ودعم المهاجرين واللاجئين. كما أنه يبرهن – في الوقت ذاته – على أن النضال القانوني والسلمي هو السبيل الأمثل والوسيلة الفعالة لتحقيق العدالة المنشودة، ودفع الحكومات إلى الالتزام بالتزاماتها الدولية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى