الاختفاء القسري جريمة: مع اقتراب عامه السادس من الاختفاء لا زال السؤال “أحمد حسن فين يا حكومة”

“أين فلان الفلاني؟” جملة ألفتها الأذان على مدار أكثر من عشر سنوات، لكن القلوب المرهقة من فقدان الأقارب والأحبة المختفين قسريًا لم تستطع التكيف معها. وفي كل الأحوال، لا يمكننا التكيف مع هكذا مصائر، أو التعامل مع أشخاص ألفناهم في حياتنا كما لو أنهم لم يكونوا بيننا أبدًا.
يعد اليافع أحمد حسن مصطفى أحد ضحايا هذه الجريمة المجرمة دوليا، وانسانيا قبل كل شيء، حيث خرج في أحد صباحات شهر أبريل من العام 2019، لكنه لم يعد أبدا، ومنذ ذلك الوقت لم تترك أسرته بابا إلا وطرقته، خصوصا شقيقته المحامية نورهان حسن.
ترجع قصة اختفاء أحمد – في ظروف تتشابه مع الكثير من المختفيين قسريا- إلى خروجه من البيت متجها إلى كورس الجرافيك التي انضم لها أملا في أن يستخدمها في تحسين جودة الصور التي يلتقطها بكاميرا يستعيرها من شقيقه محمد، لكنه لم يعد إلى البيت أبدا منذ ذلك الوقت لمدة ألفين يوم ويزيد.
الطالب أحمد حسن – المصدر : وسائل التواصل الاجتماعي
يومها وعد احمد شقيقته نورهان بلقائه عند صديق مشترك، لكنه لم يفعل، وكذلك لم يعد للمنزل، بدأ القلق يتسرب للأسرة خصوصا الأم التي تعود أحمد على احتواء قلقها، بالتواصل معها الدائم حتى العودة إلى المنزل، ولكنه في اليوم المشؤوم لم يتواصل أبدا معها كما أن هاتفه المحمول أغلق، واختفى تماما.
“أعلم أن التعذيب النفسي له طرق لا تُحتمل، وربما أكثرها قسوة أن تُقطع عن عالمك، أن يقال لك إن عائلتك قد فقدت الأمل في عودتك، وإنك وحيد في هذه الدنيا. هذا الألم ليس فقط شعوري، بل شعور كل من فقد عزيزًا في ظروف مماثلة. تكرار هذه الأفكار يثقل عليّ في بعض الأوقات، ويبدو كأنه جزء من رحلة الفقد المستمرة”
من رسائل نورهان إلى شقيقها أحمد
الاختفاء القسري.. كأن لم تكن
بعد اختفاء أحمد ليوم كامل بدأ أفراد الأسرة إعلان الأمر على حساباتهم الاجتماعية، وطلبوا المساعدة في البحث عنه، فتحرك أصدقاؤه ومعارفه، ثم تأكد بأنه لم يحضر الكورس في هذا اليوم.
وبحسب رواية الشقيقة نورهان ذهبوا إلى أقسام الشرطة، و طرقوا أبواب المستشفيات، خصوصا المجاوزة لمحل السكن الكائن في المقطم، بمدينة القاهرة، ولم يتوصلوا إلى أي معلومة للأسف، حتى عرفوا أن رجال أمن في أزياء مدنية أوقفوه في الشارع الذي يوجد به محل سكنه واصطحبوه معهم.
زاد المشهد ضبابية رفض قسم الشرطة تحرير محضر اختفاء أحمد، من قبل والده أستاذ الفلسفة، ولكن شقيقته سارعت بتقديم بلاغات و تلغرافات إلى النائب العام ووزارة الداخلية.
أعقب اختفاء أحمد وتحديدا بعد شهر كامل، خبر تسرب إلى الأسرة من قبل أحد المحامين يفيد بوجوده في قسم شرطة مدينة نصر ثانٍ، “لكن عند توجهي للقسم أنكروا وجوده بعد أن طلبوا الانتظار لمدة 15 دقيقة”.
حملة أوقفوا الاختفاء القسري على الخط
جاء العام 2019، ولازال احمد مختفيا فلجأت الأسرة إلى مجلس الدولة وأقامت دعوى لإلزام الداخلية بالكشف عن مصير أحمد، وكان رد محامي الدولة بمذكرة أوضح فيها أن أحمد ليس مودعًا في أي من السجون أو مطلوبًا على ذمة قضية في عام 2020، وفي 14 مارس من العام نفسه صدر حكم بوقف القرار السلبي بالامتناع عن الإفصاح عن مكان أحمد.
بعد حكم مجلس الدولة رقم 5811 لسنة 74 ق، تلقت أسرة أحمد إخطارًا من القسم للحضور وتحرير محضر باختفائه تنفيذًا للحكم، وهو إجراء تمت مع العديد من أهالي المختفيين قسريا، ولكنها لا تؤثر في القضية نظرا لتجاهل تلك الأحكام من قبل السلطات الأمنية.
جاء يوم 29 يوليو 2020، وهو من الأيام الصعبة في حياة الأسرة، حيث استقبلت الشقيقة نورهان اتصالًا هاتفيًا من قسم شرطة الشروق يطلب منها الحضور فورًا، ولم تتوقع أبدا أن يكون الامر يتعلق بجثة مجهولة الملامح طلب منها معاينتها، والتعرف عليها لمعرفة ما إذا كانت تعود لشقيقها، كما تم استدعاء الوالد لأخذ البصمة الوراثية.
لحسن الحظ لم تتطابق العينات لكن مصير أحمد لا زال مجهولا، فاضطرت الأسرة إلى طرق الأبواب كافة، وتوسيط الجميع على امل الإفصاح عن مكان الشاب، كما تقدموا بشكاوى واستغاثات إلى المجلس القومي لحقوق الإنسان، وأعضاء في لجنة العفو الرئاسي ومجلس الوزراء ولم يتلقوا أي رد.
في خضم ذلك قادت المفوضية المصرية للحقوق والحريات حملة للحديث عن أحمد والمطالبة بمعرفة مصيره ضمن حملتها الممتدة المعنونة بـ “أوقفوا الاختفاء القسري”، وهي الحملة التي استمرت لسنوات.
“أحيانًا، أحاول أن أتخيل أخي النشيط، الذي لا يهدأ، دائم الحركة والتنقل، يساعد هذا، ويتحدث مع ذاك، يحضر التدريبات، ويلتقي بأصدقائه. كيف يمضي يومه الآن وهو مكبّل اليدين، معصوب العينين، جالس في مكانه لساعات وأيام دون حركة؟ مجرد التفكير في وضعه يخنقني. كيف يتحمل كل هذا؟”
من رسائل نورهان إلى وعن شقيقها
كانت للأسرة تجربة مع الاختفاء القسري منذ أعوام، جراء أحداث التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير حيث خرج الأخ الأكبر محمد للانضمام إلى المظاهرات الرافضة لبيع الأرض، والذي جرى الإفراج عنه لاحقا، حينها كان أحمد في السادسة عشرة من عمره، حيث قام بتوجيه من والده إلى الانخراط في العمل الخيري التطوعي، والتحق بجمعية رسالة الخيرية.
في سبتمبر الماضي وفي خضم حملة البحث عن أحمد بمشاركة المفوضية المصرية، ظهرت والدته وجيدة إسماعيل، في فيديو على فيسبوك بعد مرور ما يقارب من ألفين يوم من الاختفاء، وقالت:
“1997 يوم بعد كام يوم هيكون 2000 يوم على ابني وهو مختفي، مرت أيام وسنين وأعياد ومناسبات وأنا معرفش حاجة عن ابني عمري ما تخيلت إني أكون في الموقف ده أو أعمل فيديو زى ده”.
والدة أحمد حسن تطالب بالكشف عن مكانه – المصدر “فيديو منشور على التواصل الاجتماعي”
أحمد هو الأخ الأصغر بين 4 إخوه (محمد ونورهان وأميرة)، من مواليد 16 أغسطس 2000، طالبًا في الفرقة الأولى بكلية الحقوق بجامعة القاهرة، وحصل على تقدير جيد جدًا في الفصل الدراسي الأول، وذلك حين أخفي قسريا حيث لم يكن أكمل عامه الثامن عشر، أما حاليًا تجاوز عمر أحمد 24 عامًا.
في محاولاتهم الحثيثة للوصول إلى أحمد تقدمت أسرة أحمد ، ببلاغ للنائب العام بتاريخ 17 سبتمبر 2024، للمطالبة بالكشف عن مكان احتجازه طوال هذه السنوات منذ القبض عليه في أبريل 2019.
وحمل البلاغ رقم 59353 لسنة 2024 عرائض النائب العام، وطالب الكشف عن مكان وجود أحمد حسن مصطفى، وإصدار أمر عاجل بالكشف عن مكانه والتحقيق في ظروف وأسباب هذا الاختفاء، ولكن قوبل هذا البلاغ بالحفظ، ولم يحظ بأي تحرك من قبل الجهات المسؤولة.
من جانبها أصدرت المفوضية المصرية بيانا حثت فيه السلطات المصرية للكشف عن مكان أحمد الذي يقترب عامه الخامس من الاختفاء على الانتهاء، كما دعت وزارة الداخلية والنائب العام إلى فتح تحقيق شامل وشفاف للكشف عن مصير أحمد حسن مصطفى ومعرفة مكان احتجازه غير القانوني طوال هذه السنوات.
الأشقاء الأربعة ومعهم أحمد – المصدر: الفيس بوك
أما على من تقع المسؤولية؟ فطبقا للقوانين الدولية، تقع مسؤولية البحث عن الأشخاص المختفين قسريًا بشكل أساسي على عاتق الدول. كما تُلزم تلك القوانين الدول بالتحقيق في حالات الاختفاء القسري وإبلاغ عائلات المختفين بمصيرهم أو مكان وجودهم. كما يُطلب منهم أيضا اتخاذ تدابير فعالة لمنع هذه الجرائم ومعاقبة مرتكبيها.
وتنص الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006، خصوصا في المادة 12منها على أن “تُلزم الدول بالتحقيق الفوري في أي ادعاء باختفاء قسري وإبلاغ العائلات بنتائج التحقيق”.
كما تنص المادة 24على حق الضحايا وعائلاتهم في معرفة الحقيقة حول ظروف الاختفاء ومصير الشخص المختفي، أما المادة 7 فجرم الاختفاء القسري وتُعرِّفها كجريمة ضد الإنسانية إذا ارتُكبت في إطار هجوم واسع النطاق أو ممنهج ضد المدنيين.
ختاما ندعوكم لتكونوا صوتًا يُسمع في وجه الظلم، وجبر قلوب من يبحثون عن أحبائهم المفقودين. شاركوا معنا في حملة المفوضية المصرية “أوقفوا الاختفاء القسري”، لأن الصمت ليس خيارًا عندما يتعلق الأمر بجرائم تسلب فيها الأرواح، والحقوق.
كما تدعوكم أسرة أحمد حسن مصطفى أيضًا إلى الوقوف معها في مطالبها العادلة بالكشف عن مصير أحمد، ومعرفة مكانه. يمكنكم دعمهم من خلال متابعة صفحتهم من هنا، والمشاركة في الهاشتاجات التالية: