اصدارات

“لا تسقط بالتقادم” تطلق سلسلة “آخر منافذ العدالة” حول آليات عمل مصلحة الطب الشرعي (الحلقة الأولى)

تطلق حملة لا تسقط بالتقادم سلسلة “آخر منافذ العدالة”، نسعى في هذه السلسلة عن مصلحة الطب الشرعي، والتي ستنشر تباعًا على حلقات، إلى تسليط الضوء على آليات عمل تلك المؤسسة شديدة الأهمية داخل منظومة العدالة الجنائية في مصر، ومدى نجاحها/إخفاقها في تحقيق العدالة وإجلاء الحقيقة.

“الوفاة ناتجة عن اسفكسيا استنشاقية نتيجة انسداد المسالك الهوائية بفعل اللفافة التى وجدت منحشرة بمنطقة البلعوم الحنجرى. ووفقًا لنتيجة الخبير الكميائى، فقد أتضح أن اللفافة لنبات القنب الهندى أو البانجو وتحتوى على المادة الفعالة له ومدرجة بالجدول الأول لقانون المخدرات، كما أنه بتحليل عينات الأحشاء والدم والبول فقد عثر بعينة البول على ناتج الحشيش وعثر بعينة البول والدم على الترامادول”.

تقرير الطب الشرعي المبدئي في قضية خالد سعيد.

خالد سعيد هو شاب سكندري ومفجر/ رمز لثورة الخامس والعشرين من يناير، والذي مات تحت تعذيب أفراد من الشرطة في يونيو 2010، وعلى جانب آخر صدر حينها التقرير المبدئي للطب الشرعي بكون سبب الوفاة هو المخدرات “نبات القنب الهندي/ البانجو” والترامادول. لم تكن حالة خالد سعيد هي الأولى فيما يخص التعذيب وإفلات مرتكبيه من المحاسبة بفعل ثلاثية النيابة والشرطة والطب الشرعي، ولكن سبقه العديد من الحالات، ففي عام 2007 توفي شخصان في مركز شرطة المنصورة، وهما نصر أحمد عبد الله لإصابته بنزيف في المخ بعد ضربه على رأسه بوحشية، كما توفي الطفل محمد ممدوح -لم يتعدى الثانية عشرة من عمره- بعد صعقه بالكهرباء وحرقة وركله في صدره وحدوث قيء دموي بينما ادعى تقرير الطب الشرعي وفاته بسبب التهاب رئوي حاد وانسكاب بلوري ولم يذكر أي من آثار التعذيب الواضحة على جسده والتي ذكرها وكيل النيابة عند المعاينة الأولى لجثة الطفل.

وتبعه العديد من الحالات ففي أكتوبر من عام 2011 توفى السجين عصام عطا تحت وطأة التعذيب، بحسب أسرته التي ذكرت اتصال عطا بهم قبل وفاته ليخبرهم بتعرضه للتعذيب داخل سجن ليمان طره، ولكن جاء تقرير الطب الشرعي ليبرئ ضباط سجن ليمان طرة من تهمة التعذيب. وفي فبراير من العام 2013، لقى الناشط محمد الجندي مصرعه، وتضاربت الشهادات حول أسباب وفاته، إذ ذكر عدد من الشهود عن القبض عليه من قبل قوات الأمن وتعرضه للتعذيب بمعسكر قوات الجبل الأحمر، ووفاته من تبعات التعذيب، بينما صدر تقرير الطب الشرعي بأن الجندي توفى نتيجة حادث سيارة. تظهر تلك الحالات وغيرها الفجوة التي تتسع بصورة مطردة بين أداء منظومة العدالة الجنائية على أرض الواقع بأضلاعها الأساسية من الشرطة والنيابة والطب الشرعي، وبين الدور المفترض نظريًا للمنظومة من حماية حقوق المواطنين، وإرساء قواعد العدالة.

في البداية كنا نسعى للحديث عن الطب الشرعي بصورة منفصلة عن كافة العوامل المحيطة به، ظنًا منا أن مجرد تتبع تاريخ مصلحة الطب الشرعي هو أمر كافي لمعرفة الخلل الواضح فيما بتعلق بأدائها وتقاريرها المبتسرة، إلا أننا أدركنا وجود العديد من العوامل المتشابكة والمؤثرة على أداء الطب الشرعي، ومن أهمها البنية التشريعية لمنظومة العدالة الجنائية، التي تعطي اليد العليا لوزارة العدل -السلطة التنفيذية- من جهة -باعتبار الطب الشرعي مصلحة تابعة لها-  وبهذا تصبح السلطة التنفيذية لها القدرة على التأثير  على التقارير الصادرة من مصلحة الطب الشرعي . ومن جهة أخرى تؤثر النيابة العامة على أداء مصلحة الطب الشرعي، لكونها المدخل/ حلقة الوصل بين الضحايا والطب الشرعي. إذ تتسبب السلطة التقديرية الممنوحة للنيابة في كثير من الأحيان بندب خبراء الطب الشرعي بشكل انتقائي، وعدم الاستجابة لطلبات الأهالي للعرض على الطب الشرعي –في حالة الوفاة- أو للضحايا –في حالات التعذيب-، مستخدمة السلطات الممنوحة لها في اتخاذ قرار إجراء التشريح/ الكشف الظاهري من عدمه. وما ينتج عنه وجود العديد من حالات الوفاة المشتبه بها جنائيًا دون تدخل من قبل الطب الشرعي للوصول إلى أسباب الوفاة، مما يزيد من احتمالية تكرار حالات الوفاة الخارجة عن إطار القانون، بسبب عدم معرفة المتسبب وبالتبعية غياب المسائلة والمحاسبة.

لذلك تنقسم السلسلة “أخر منافذ العدالة” إلى أجزاء ثلاثة، نبدأها من خلال تتبع بدايات لجوء السلطات للتشريح – الطب الجنائي/السياسي- كوسيلة لتحقيق العدالة، بالإضافة إلى البحث في تطور الإطار القانوني الحاكم لأداء خبراء الطب الشرعي ومهامه، والعقبات التي تعترض أداء تلك الأدوار بداية من قانون رقم 1 لسنة 1909 وصولًا إلى قانون رقم 96 لسنة 1952 والمعمول به حتى وقتنا الحالي، وذلك لبيان التغيرات التي طالت قانون تنظيم عمل مصلحة الطب الشرعي ومعرفة مدى تأثير ذلك على ممارسات وسياسات المؤسسة على أرض الواقع. وننتهي بالخروج بعدد من التوصيات من شأنها أن تساهم في تحسين أداء المصلحة، كتحويل الطب الشرعي لهيئة قضائية فنية مستقلة.

ونسعى في الجزء الثاني من سلسلة “آخر منافذ العدالة” إلى تسليط الضوء على آليات عمل النيابة العامة بخصوص طلبات الضحايا/ ذويهم في الوصول إلى الطب الشرعي لإجراء الكشف الظاهري في حالات التعذيب، أو إجراء الصفة التشريحية في حالات الوفاة. وذلك من خلال عرض بداية القصة التي قد تبدأ بتعرض أحد الضحايا /المتهمين للتعذيب، الذي قد يفضي إلى موت، ومن هنا يبدو جليًا مدى اتساع السلطة الممنوحة للنيابة العامة، بموجب التعليمات العامة للنيابات بداية من مناظرة أجساد المتهمين أثناء التحقيق، مرورًا بإحالة الضحايا للطب الشرعي من عدمه، وصولًا إلى إتاحة أوراق القضية، وبالتبعية تقارير الطب الشرعي.

وأخيرًا نتطرق في الجزء الثالث إلى المحطة الأخيرة وهي الوصول إلى الطب الشرعي، وأداء أطباء المصلحة في المناظرة والتشريح على حد السواء، مع مقارنة بين ما يجب أن تكون عليه تقارير الطب الشرعي، وما هي عليه في الوضع الحالي، وكيف قد تؤثر طريقة كتابة التقارير على مسار قضايا بأكملها، وبالتبعية على إجلاء الحقائق والانتصار للعدالة وحقوق الضحايا.

تهدف سلسلة “آخر منافذ العدالة” إلى تسليط الضوء على ضرورة إعادة تنظيم عمل خبراء مصلحة الطب الشرعي، من خلال تعديل قانون الخبراء رقم 96 لسنة 1952، وفصل/استقلال عملهم عن وزارة العدل، وذلك لطبيعة عملهم الفنية، وضرورة تحقق الحياد، بعيدًا عن أي سياق سياسي. وهو الأمر الذي من شأنه أن يساهم في تحسين أداء منظومة العدالة الجنائية ككل، وذلك للدور الرقابي الذي تلعبه مصلحة الطب الشرعي طبقاً للصلاحيات الممنوحة لها. ومن الأسئلة التي تعتبر مدخلاً للدراسة هي فهم كيف يؤثر الطب الشرعي على أداء منظومة العدالة الجنائية ككل؟.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى