بيانات صحفيةبيانات صحفية-الاقليات

حماية المجتمع من الإرهاب يستوجب فتح المجال العام و اشراك المجتمع المدني بجانب الإجراءات الأمنية اللازمة

12-4-2017
تتقدم المفوضية المصرية للحقوق والحريات بأحر التعازي لأسر ضحايا تفجيري كنيستي مار جرجس بطنطا، والكنيسة المرقسية بالإسكندرية، وتقدم أخلص التمنيات بالشفاء العاجل لمصابي الحادثين. كما تدين بشدة الهجمات البربرية التي راح ضحيتها أناس أبرياء يوم احتفالهم بـ”أحد السعف”.
وتعيد التذكير بما أكدته في أعقاب حادث تفجير الكنيسة البطرسية صباح الأحد 11 ديسمبر الماضي، بضرورة مراجعة كافة الإجراءات الأمنية المعنية بتأمين دور العبادة المسيحية، خاصة، في أوقات المناسبات الدينية لتفادي تكرار تلك الحوادث والحد من إمكانية وقوع ضحايا من المصلين. وكذلك تعيد التأكيد على ضرورة التحقيق المستقل والشفاف والنزيه في تلك الجرائم النكراء للوصول للحقيقة الكاملة وتعقب ومحاسبة المسؤولين عن الأحداث وتقديمهم لمحاكمة عادلة في أسرع وقت.
وتطالب المفوضية المصرية للحقوق والحريات بالتحقيق مع المسؤولين عن التقصير الأمني في حادث تفجير كنيسة مار جرجس بطنطا؛ حيث تشير الشهادات المبدئية التي أدلى بها المصليين وشهود العيان في موقع الحادث لباحثوا المفوضية، بوجود خلل أمني شديد في إجراءات تأمين الكنيسة، حيث سبق وأعلنت الأجهزة الأمنية في نهاية شهر مارس الماضي، عن نجاحها في تفكيك قنبلة بمحيط الكنيسة. الأمر الذي يشير إلى سعي جماعات إرهابية لاستهداف تلك الكنيسة على وجه الخصوص، مما كان يستوجب معه تشديد الإجراءات الأمنية عليها، وهو ما لم يحدث وأدى في النهاية لمقتل 29 شخصا و78مصابًا على الأقل حسب وزارة الصحة.
أما في الإسكندرية، والتي نظرًا لوجود إجراءات أمنية أكثر صرامة، لم يتمكن الإرهابي من الدخول للكنيسة وقام بتفجير نفسه بالخارج، مما أدى إلى مقتل 17 شخصا و48 مصابا على الأقل حسب وزارة الصحة، من بينهم شرطيين.
كما تؤكد المفوضية المصرية للحقوق والحريات على ضرورة محاسبة المتسببين في القصور الأمني الذي سمح بوصول المواد المتفجرة إلى قلب العاصمة وإلى محافظات ومدن وقرى أخرى لتصبح أجساد المدنيين فريسة سهلة المنال لموجتها الانفجارية.
وترى المفوضية المصرية للحقوق والحريات أن غياب الشفافية وعدم الإعلان عن نتائج التحقيقات في العديد من الهجمات التي استهدفت الأقباط والأحداث الطائفية، وآخرها أحداث تفجير الكنيسة البطرسية، بجانب عجز السلطات عن تقديم المسؤولين الحقيقيين عن تلك الأعمال للعدالة، منذ تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية في الدقائق الأولى ٢٠١١ وفي العديد من الأحداث الطائفية التي سبقت ذلك، واعتمادها في غالبية وقائع العنف الطائفي على نهج الجلسات العرفية وتنحية القانون مما أدى في النهاية لإفلات المجرمين الحقيقيين من العقاب، والفشل في إنصاف الضحايا وتحقيق العدالة.
إن واجب حماية تمتع الأفراد بالحقوق والحريات هو مسؤولية تقع على مؤسسات الدولة بالمقام الأول. كما أنه من واجبها توفير المناخ التشريعي والسياسي والقضائي لتشجيع التمتع بتلك الحقوق وردع أي تعدي عليها من خلال محاسبة المسئولين عن تلك التعديات أو المقصرين في حماية تلك الحقوق. وبالرجوع إلى الدستور المصري والقانون الدولي لحقوق الإنسان فإن حماية الحق في حرية المعتقد يتضمن حماية الحق في إقامة الشعائر الدينية للمسيحيين والتي نصت عليها المادة 64 من الدستور، وتكفلها المادة 18 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966. كما نص الدستور في المادة 59 على أن: “الحياة الآمنة حق لكل إنسان، وتلتزم الدولة بتوفير الأمن والطمأنينة لمواطنيها، ولكل مقيم على أراضيها”. كذلك نصت المادة 6 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على الحق في الحياة.
إن المفوضية المصرية للحقوق والحريات ترى في حادثي طنطا والإسكندرية، تطور خطير في أداء الجماعات الإرهابية التي تمكنت من تخطيط وتنفيذ هجمات متزامنة في أكثر من محافظة، مما يستوجب مزيد من اليقظة وإجراء تعديلات في التكتيكات الأمنية المتبعة لتأمين الكنائس. فعلى سبيل المثال يمكن أن يتم تأمين دخول المصليين على أكثر من مرحلة قبل وصولهم لباب الكنيسة، مع التأكد من سلامة البوابات الإلكترونية. كما يمكن تأمين خروج المصليين على دفعات ومن أبواب مختلفة لتفادي الزحام والتجمعات بعد انتهاء الشعائر الدينية.
إن المفوضية المصرية للحقوق والحريات تؤكد على أن الحوادث الإرهابية تقع في الكثير من دول العالم الآن؛ ولكن يظل الفارق دائما في كيفية التعاطي مع تلك الأحداث من قبل سلطات الدولة ومحاولة إحباطها، والحد من أضرارها، والتعامل معها في إطار القانون والدستور واحترام وحماية حقوق الإنسان حتى في الحالات التي يتم فيها إعلان حالة الطوارئ.
الجدير بالذكر أن فرض حالة الطوارئ لثلاث عقود متتالية في عهد الرئيس الأسبق مبارك واستغلالها لإقصاء المعارضة الديمقراطية والمجتمع المدني ومصادرة الحقوق والحريات والاتجاه إلى إغلاق المجال العام لم تحد من الفكر المتطرف أو تقضي على ظاهرة الإرهاب. كما أن فرض حالة الطوارئ في شمال سيناء لما يقرب من 3 سنوات الآن؛ لم يوقف اغتيال 7 من المسيحيين وتهجير مئات الأسر المسيحية من العريش في أقل من شهر.
كما تعيد المفوضية التأكيد مرة أخرى على قصور الحلول والمقاربات الأمنية وحدها في مواجهة ظواهر العنف والتطرف والإرهاب، وتشدد على الحاجة إلى تفكيك حواضن الإرهاب المجتمعية والثقافية بجانب ضرورة التعاطي مع الأيديولوجية المؤسسة للتطرف والعنف والتي تحتاج إلى تضافر جهود مؤسسات الدولة والمؤسسات الدينية والبحثية ومؤسسات المجتمع المدني والإعلام في تحليل هذه الظواهر وتفكيكها وطرح رؤي وحلول وبدائل لمعالجتها.
وإذ تهيب المفوضية المصرية للحقوق والحريات بالمجتمع المدني، سواء مفكرين وأدباء وكتاب وشخصيات عامة وأصحاب الرأي، أو منظمات وأحزاب وحركات ونقابات وغيرها من أشكال التنظيم الديمقراطي؛ بالعمل على خلق بدائل وحلول فعّالة لمواجهة ظواهر التطرف والإرهاب التي تنخر في جسد المجتمع المصري. وكذلك تهيب بالسلطات المصرية، أن تفتح مجالا لحرية عمل المجتمع المدني، وأن تؤمن مساحة للحراك الديمقراطي، الذي من شأنه أن يقضي على حالة الاستقطاب السياسي غير المسبوقة، ويبدأ في خلق بدائل وحلول حقيقية لمواجهة تلك الظواهر التي لا يمكن تحميل الأمن وحده مسؤولية القضاء عليها، في ظل غياب رؤية واستراتيجية متكاملة تفكك تلك الظواهر وتقضي على جذورها ومسبباتها الأساسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى